كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

ذلك وتدل عليه"، ومن ثم فإن حماسته ضمت الجيد وغير الجيد.
والبصيري في حماسته كان مقياسه في اختيارها مقياسًا دينيًا، وتستطيع أن تدرك صدق ذلك بنظرة واحدة في حماسته، ومن أجل هذا المقياس كان مثل البحتري في حماسته، جمع بين الجيد الرديء.
ولا شك بأن اختيار الجيد عند أبي تمام يقوم على مقياس جمالي فني، وهو الذي يجعله يختار من القصيدة الواحدة بعضًا ويترك بعضها الآخر، ولكن ما طبيعة هذا المقياس الجمالي الفني.؟
إنه مقياس يقوم على الأساس الذي حدده علماء الشعر في ذلك الزمن للجيد من الشعر، وهو أساس يمكن أن نجده عند الجاحظ في قوله عن رواه الشعر "ورأيت عامتهم - فقد طالت مشاهدتي لهم - لا يقفون إلا على الألفاظ المتخيرة، والمعاني المنتخبة، وعلى الألفاظ العذبة، والمخارج السهلة، والديباجة الكريمة، وعلى الطبع المتمكن، وعلى السبك الجيد، وعلى كل كلام له ماء ورونق، وعلى المعاني التي إذا صارت في الصدور غمرتها، وأصلحتها من الفساد القديم، وفتحت للسان باب البلاغة، ودلت الأقلام على مدافن الألفاظ، وأشارت إلى حسان المعاني، ورأيت البصر بهذا الجوهر من الكلام في رواة الكتاب أعم، وعلى السنه حذاق الشعراء اظهر".
وهذا الذي عرضه الجاحظ مجملًا لا يختلف كثيرًا عما ذكره الإمام المرزوقي في نظرية عمود الشعر التي طرحها في مقدمة شرحه للحماسة، ولكنه كان أكثر تفصيلًا وتقنينًا من الجاحظ حيث حدد سبعة أبواب هي قوام عمود الشعر عنده وهي: شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار

الصفحة 33