كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

الشاعر، والكلمة لا تكون شنيعة إلا بالمعنى الذي أراده الشاعر، ومراد عروة من استخدامه للفظتي كنيف ومستراح لا يدل على شناعة وقبح إلا إذا نظرنا إلى معناها الحضري، ومن ثم لا يضير أبا تمام أن يضمن البيتين اختياره، ما داما لم يخرجا عن حيز المقياس الجمالي الفني الذي بنى عليه اختياره. وعروة قبل كل شيء شاعر بدوي يستخدم اللغة على سجيته ووفق البيئة الت يعيشها. وإذا أخذنا على أبي تمام ما اختاره من شعر جاءت لغته على سجية قائله ووفق بيئته البدوية، فمعنى هذا أننا نطلب من الشاعر عروة قبل أبي تمام أن يراعي مفاهيم أهل الحضر في لغته الشعرية، وهذا أمر متهافت لا يقوم على شيء.
وغير ابن العميد نجد ضياء الدين بن الأثير يأخذ على أبي تمام مآخذ، وذلك حين قال: "ولعمري إن الحماسة لدليل على أن أبا تمام كان عارفًا بأسرار الألفاظ والمعاني، إلا أن فيها مواضع يسيرة لا أرضاها، وأكثرها في باب الهجاء"، ثم مضى فأورد الألفاظ التي أخذها على الاختيار، منها كلمتا "زبونات" و "تيحان" الواردتان في بيت سوار بن المضرب وهو:
بذبي الذم عن حسبي بمالي وزبونات أشوس تيحان
وعلق عليهما بقوله: "فإن زبونات وتيحان لو وقعا في الفرات لصار ملحًا أجاجًا". وكذلك أخذ على الاختيار لفظة "جحيشًا" الواردة في بيت تأبط شرًا. القائل:
يظل بموماة ويُمسي بغيرها جحيشًا ويعروري ظهور المسالك
كما أخذ على الاختيار عبارة "على لحيتي" الواردة في بيت ابن هرم الكلابي الذي يقول فيه:
فإن ذُكرت فاضت لعيني عبرة على لحيتي نثر الجُمان من العقد
ومضى ابن الأثير يعدد مآخذه على الأبيات المختارة في الحماسة حتى بلغ بها نحو

الصفحة 35