كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

خمسمائة بيت أغلبها في الهجاء، رأى نفيها من الحماسة ضروريًا، وحجته في ذلك أن هذه الأبيات ليست من الأبيات التي لا يتم المعنى فيها إلا بها، فيضطر حينئذ غلى إبداعها في جملة اختياره".
ومع وجاهة ما ذهب إليه ابن الأثير فإننا نرى أن جل مآخذه على أبي تمام جاءت في باب الهجاء، ومن هنا يمكن القول بأن طبيعة الباب ربما فرضت على أبي تمام أن يخرج عن الحيز الذي رسمه لمقياس الجودة عنده، كما أن بعض الأبيات التي رأى ابن الأثير نفيها هي في واقع الأمر متصلة بأبيات غيرها جيدة مثل بيت سوار بن المضرب السابق ذكره فإنه متصل بما قبله إذا نفي لزم أن ينفي البيت الذي يسبقه، هذا فضلًا عما قلناه سابقًا أن أبا تمام كان رائدًا في عمله هذا، وكل رائد لا يسلم من نقص أو فوات، وهذا ما أكده ابن الأثير نفسه حين قال بعدما عرض من مآخذ على أبي تمام: "وعلى ما ذكرته من أن في الحماسة مواضع غير مختارة، فإن أبا تمام هو إمام الناس شعرًا ومعرفة بالشعر، وإن شذ عنه شاذة في الاختيار الذي اختاره، فمن الذي يسلم من ذلك".
وإذا كان بعض القدماء قد أخذوا على أبي تمام بعض المآخذ في اختيار الحماسة فإن بعض المعاصرين قد سلك السبيل نفسه، فالأستاذ على النجدي ناصف أخذ عليه أنه "أسقط الاعتذار من الفنون التي اختار لها ولم يذكره، ولم يختر له مفردًا ولا مع غيره، كما صنع لسائر الفنون، وليست أعرف لإسقاطه وجهًا، فهو فن كريم من القول، جد لا هزل فيه ولا عبث، يتصل في الباعث عليه، والقول فيه بطبيعة الحياة وأدب السلوك".
وأخذ أيضًا عليه ما اختاره في باب الملح، وتمنى لو أنه طرح هذا الباب وجاء بالاعتذار بدلًا منه، وحجته في هذا كما وضح في السابق أن الاعتذار فن كريم من

الصفحة 36