كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

اللغة الذين وجدوا فيه معينًا لا ينضب في الاستشهاد بما فيه من شعر في تفسير اللغة والاحتجاج بصحتها، ووقنا أيضًا على رأي بعض الباحثين أن أبا تمام قد أكثر الاختيار لشعراء قبيلته فإن اختياره لشعرهم لم يخرجه عن حد مقياس الجودة الذي بني عليه اختياره بل أكدنا أن بعض شعر قبيلته مما اختاره يعد أبلغ ما ضمت بعض أبواب الاختيار من قول. ومن ثم فلا مجال للقول بعصبية الرجل في اختياره. كما عرضنا للدعوى القائلة بأن أبا تمام قد قصد من اختياره لشعر المقلين والمجهولين إخفاء أكثر إحسان الشعراء لأنه سرق منه بعض معانيه، وطوي بعضه الآخر ليجعله عدة يرجع إليها في وقت الحاجة، ورجا من وراء ذلك أن يترك أهل المذاكرة أصول أشعارهم على جوهها ويقنعوا باختياره لهم فتبغي عليهم سرقاته، وقد بينا خطل هذه الدعوى وتهامتها من وجهين أحداهما: أن اختيار الحماسة حوى جملة من الأشعار التي استمد منها أبو تمام بعض معانيه، فلو انه كان يتوخى إخفاء الأشعار التي كان يأخذ منها معانيه لأخفي هذه الأشعار الواردة في اختياره. والآخر أن أبا تمام ليس وحده الذي كان يمتلك أشعار المحسنين حتى يحجبها عن الناس بقصد إخفاء أخذه منها أو بقصد جعلها عدة يرجع إليها عند الحاجة.
وأخيرًا عرضنا في هذا الفصل لأهم قضية تمس اختيار الحماسة وهى تلك الدعوى التي أثارها كل من ابن العميد وأبي علي المرزوقي، أن أبا تمام كان يغير في ألفاظ نصوص الحماسة، يزيل ما فيها من عوار بما يناسب ذوقه ونقده، وناقشنا ذلك باستفاضة وعرضنا رأي من أدلى فيها بقول، وانتهينا إلى أن أصحاب هذه الدعوى لم يأتوا بدليل واحد يؤكد صحة ما ذهبوا إليه، وان الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اختلاف في روايات النص، كان أبو تمام يقارن بينها فيختار منها ما يتفق مع ذوقه ونقده، كما بينا أن اختلاف الرواية ظاهرة لا تشمل اختيار الحماسة فحسب بل تشمل سائر الاختيارات الشعرية ودواوين الشعراء، وقد أتينا بما يؤكد هذا القول ويدعمه وذلك من خلال دراسة لنماذج من المفضليات والأصمعيات، وهما الاختياران اللذان اتفق أهل العلم والدراسة في الأدب على أنهما أوثق مصدرين وصلا إلينا في الشعر القديم ثم وقفنا تبعًا لذلك عند رأي الدكتور ناصر الدين الأسد

الصفحة 393