كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

في رفض اختيار الحماسة مصدرًا من مصادر الشعر الجاهلي بحجة أن ديوان الحماسة ليست فيه رواية تعتمد على سند معروف، وبحجة الدعوى التي قال بها كل من ابن العميد والمرزوقي بأن أبا تمام كان يغير في النصوص الشعرية، فناقشنا هذا الرأي وأوضحنا وجهة نظرنا المتمثلة في أن المخطوطات التي وقفنا عليها قد أفادت بأن كتاب الحماسة بجانب وصوله إلى العلماء عن النسخة التي تركها أبو تمام في بيت آل سلمه بهمذان، فإنه قد أخذ شفاهة عن أبي تمام نفسه أخذه عنه أبو المطرف الأنطاكي وآخذه العلماء الشراح من هذه السبيل، كذلك بينا أن لا مجال للقول بأن أبا تمام لم يأخذ شعر الحماسة رواية من أحد، لأنه اختاره من مجاميع شعر القبائل ودواوين الشعراء التي صنعها العلماء الرواة المصححون للشعر القديم، فأخذه عن هذه المجاميع والدواوين يعد في حد ذاته توثيقًا لما اختار، ولقد حرصنا في هذا الخصوص أن نؤكد أن من الخير لدارسي الأدب في زماننا هذا الأخذ برأي علماء اللغة الذين وثقوا بما روى من شعر في الحماسة واعتبروه حجة يدعمون بها تفسيراتهم في اللغة فهو خير بكثير من الانسياق وراء دعاوي وأوهام لا تقوم على ساق في مجال الحجج والبراهين.
هذا أهم ما عرضنا إليه بالدراسة في الفصل الأول. أما الفصل الثاني فقد تناولنا فيه حركة شرح الشعر وتطوره حتى ظهور شروح الحماسة، فرسمنا صورة لما كان عليه شرح الشعر في عصر ما قبل الإسلام وهو العصر الذي لم يكن الناس فيه في حاجة إلى شرح الشعر، لأن الشاعر في ذلك الزمن لم يكن مفصولًا عن متلقي شعره بحاجز زمني أو مكاني إلا في حالات خاصة حين يعمد الشاعر إلى استخدام تركيب أو تصوير فني يتجاوز فيه حد المألوف لديهم، فيتولى توضيحه وتفسيره أو يتولى عنه ذلك رواة شعره، ولاحظنا أيضًا أنه لما جاء الإسلام كانت الحاجة إلى شرح الشعر مثل سابقتها في الجاهلية لم تتجاوز في مطالبها تفسير لفظة أو تركيب غير مألوف، أو خبر متصل بالشعر ذاته أو قائله. غير أنه لما بدت عناية المسلمين بالقرآن وحاجته إلى فهم لغته ومعانيه بدأت عناية خاصة بالشعر لحاجتهم إليه في تفسير القرآن والحديث الشريف، ولاحظنا كذلك أن هذه العناية قد صحبتها عناية أخرى من القبائل حين استقرت في الأمصار الإسلامية، وبدأت مراجعة أشعارها في الجاهلية، ورواية هذه

الصفحة 394