كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

الأشعار، فاقتضت هذه العناية تفسير الأحداث التي صاحبت هذه الأشعار بل تجاوز المر ذلك إلى تفسير بعض ألفاظه ومعانيه. كذلك لاحظنا أن عناية ثالثة بدأت على يدي علماء متخصصين في رواية الشعر وتدوينه، وأكدنا أنه وإن كان شرح الشعر غير مقصود لذاته في تلك الفترة التي بدأ فيها الجمع والتدوين فإنه قد خطا على يدي هؤلاء العلماء الرواة الأوائل خطوات أدت إلى توسع في عناصره إذ تجاوز ما كانت عليه الحال في الجاهلية وأول الإسلام إلى البحث في رواية الشعر وما فيها من اختلافات وذكر مناسباته وإخبار قائليه، بل امتد حتى شمل البحث في عيوبه والحكم على الشعراء والمفاضلة بينهم.
ثم وقفنا عند صنيع طبقات العلماء المتوالية في شرح الشعر فلاحظنا أن الطبقة الثانية من العلماء قد اعتمدت على ما أخذته من الطبقة الأولى، ولم تقف عند نقله فحسب أو أضافوا إليه ما اعتبروه تصحيحًا لخطأ، أو توجيهًا لرأي، أو سدًا لنقص. وكذلك كان حال الطبقة الثالثة، الأمر الذي أدى إلى إثراء حركة شرح الشعر بالفيض الغزير في عناصر الشرح المختلفة، كما لاحظنا أيضًا أنه قد بدأ شيء من التخصص لدى هذه الطبقات الأولى من العلماء، تخصص بعضهم في الغريب، وبعضهم في النحو، وبعضهم في الأيام والأخبار والأنساب. ثم رأينا توالي طبقات العلماء المهتمين بشرح الشعر، وبداية اتجاه مغاير للسابقين في عملية شرح الشعر حيث نشأ لدى بعض الشراح ما يمكن أن نسميه بالشرح الأدبي الذي يعالج المعاني ومقاصد الشعراء فيها، ويركز كل همه في هذا المدار لا يتجاوزه إلى اللغة وما فيها من اشتقاقات، أو النحو وما فيه من مشكلات.
وسجلنا أيضًا أنه إذا كان شرح الشعر قد بدأ عند علماء الطبقة الأولى والثانية وتلاميذهم ذا مقصد تثقيفي فإنه قد تحول عند الطبقات التي تلت هؤلاء العلماء، ومع ظهور شروح الحماسة إلى مقصد تعليمي، توسعت بسببه دائرة شرح الشعر فأصبحت على شيء غير قليل من التعمق في دراسة اللغة وقضاياها والنحو ومسائله، والرواية واختلافاتها، والمعاني وتأويلاتها، إلى غير ذلك من العلوم التي يقوم عليها شرح الشعر.

الصفحة 395