كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

كذلك سجلنا أن شروح الحماسة عندما ظهرت إلى حيز الوجود كانت متأثرة بجميع ما طرأ على شرح الشعر عامة، لأن هؤلاء الشراح الذين تصدوا لشرح حماسة أبي تمام لم يكونوا بمعزل عن حركة شرح الشعر عامة، ومن ثم لاحظنا أنهم قد شغلوا حيزًا غير قليل بآراء العلماء السابقين أمثال الخليل والأصمعي وأبي عبيدة وابن العرابي والأخفش وغيرهم، كما لاحظنا فيهم شيئًا من التخصص في عنصر من العناصر التي يقوم عليها الشرح، إذ رأينا منهم من كان يهتم بالغريب من اللغة ويعالجه في بعض أعماله مثل أبي العلاء المعري. ومن كان يهتم بالنحو وما فيه من عويص مثل أبي الفتح ابن جني. ومن كان يهتم بالأخبار التاريخية ومناسبات الشعر وما يتصل بذلك من أيام وأنساب مثل أبي رياش. ومنهم من كان يهتم بالمعاني وما فيها من تأويلات مثل أبي عبد الله النمري. كما رأينا من حاول أن يجمع بين هذه العناصر جميعها في تفوت ملحوظ مثل أبي علي المرزوقي.
كذلك لاحظنا أنهم ساروا في طريق التحول من المقصد التثقيفي إلى المقصد التعليمي، حيث كانت مناهجهم في جملتها مناهج تعليمية، تقوم على جعل النص الشعري مجالًا لتعليم جملة من العلوم المكونة لعناصر الشرح وتزويد طالبي شروحهم بالمعلومات التي تتصل بهذه العلوم في تطويل وإسهاب أو تسهيل واختصار وفق قدرات هؤلاء الطلاب الذهنية وملكاتهم الاستيعابية.
على أن أهم ما لاحظناه حين بدأت شروح الحماسة في الظهور وإبان تواليها هو أن الثقافة المكونة لشرح الشعر وفهمه ونقده قد اتسعت كثيرًا، وذلك بتعدد أعمال العلماء عبر طبقات عدة، وهى أعمال شملت الكثير من علوم العربية من لغة ونحو وبلاغة ونقد ورواية وأخبار تاريخية، وكان من الطبيعي أن تسهم هذه الأعمال المتشعبة في علو ثقافة الشارح وارتقائها. وبجانب ذلك كان أهم ما خرجنا به من علاقة شروح الحماسة بحركة شرح الشعر وتطوره أن هذه الشروح تعد جزءًا من شرح الشعر عامة، فهي صورة منه وممثله له، بل أن كل الذين تصدوا لشرح ديوان الحماسة لم يكتفوا بما شرحوه فيها وإنما أسهموا إسهامات طيبة في شرح جملة من الدواوين والمختارات سواء في ذلك الشعر القديم أو الشعر المحدث.

الصفحة 396