كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

نزوعه إلى النحو واللغة من جهة، ومشايعته شيخه أبي العلاء من جهة أخرى فإنه قد حاول جادا أن يفيد من الشروح التي سبقته يجمعها وينتخب منها شروحه في الحماسة، وهي شروح أفاد منها طلابه في المدرسة النظامية، كما أفاد منها طالبو علم الأدب الذين جاءوا بعده فضلا عن متابعة شارحين من شراح القرن السادس له في هذا المنهج هما أمين الدين الطبرسي، وأبو الرضا الراوندي.
ثم عرضنا إلي المنهج ألاختصاري التسهيلي فتحدثنا أولا في العوامل التي دفعت فئة من الشراح إليه فلاحظنا اقتناع هذا الفئة بأن الغاية من شرح الشعر هي الوصول إلي معني الشاعر ومقصده، ومن ثم يمكن الوصول إليه من أسهل الطرق وأيسر السبل، واقتناعها كذلك بأن الشروح التي صنعها السابقون لديوان الحماسة قد جاءت مسهبة في تناول عناصر الشرح إسهابا مبالغا فيه كثير من الأعمال فلماذا لا يقوم عمل يصفي هذا الفيض الغزير التي تزخر به هذه الشروح وتنقية من الإسهاب والاستطراد وتقدمة في ثوب موشي بالاختصار والتسهيل وكذلك اقتناعها التام بأن قراء الشروح يمثلون فئات متفاوتة في القدرة علي تحصيل العلم، متباينة في الطباع والأهواء فلماذا لا يقوم منهج يراعي اختلاف قدرات المتلقين ومشاربهم وأهوائهم، يقدم لهم عناصر الشرح سهلة ميسرة خالية من الاستطراد، بعيدة عن التشعب والأغراب، منهج يضم اللغة ولكن بقدر محدود، والنحو ولكن بصورة تحقق إدراك المعني فحسب والرواية ولكن في لمحات تفي بالغرض المطلوب، وأخبار الشعراء ومناسبات الشعر ولكن في اقتصاد واقتصار. ولاحظنا أنه منهج يشبه المنهج التجميعي الانتخابي في الإفادة من أعمال السابقين، ولكنة لا يقدمها في الثوب الذي يقدمها به التجميعيون الانتخابيون الذين يكتفون بنقل ما ينتخبون من الشروح دون أن يعملوا فيه ما يشذبه ويهذبه، وإنما يقدمها في صورة يحوطها الاختصار وتحكمها السهولة ويضبطها اليسر، ورأينا أن خير ما ينطبق علية هذا المنهج شرحان أحدهما الشرح المرجح نسبته إلي زيد بن علي الفارسي والآخر المنسوب خطأ إلي أبي العلاء المعري، ولاحظنا أن هناك شرحين آخرين سلكا المنهج نفسه هما: شرح البياري وشرج الأعلم الشمنتري.

الصفحة 400