كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

النحوية ظاهرة الأشكال أو القضايا التي تبدو جلية ولكنها تخفي ورائها الغامض من المسائل وثانيتها تتبعه الدائم للخلاف بين سيبويه وأبي الحسن الأخفش في جملة من المسائل التي خالف فيها الأخفش جمهرة النحاة، وثالثتها تنويهه المستمر بأن الإعراب قد يجيء مخالفا للمعني، ورابعتها اعتماده الواضح علي القياس في المسائل الإعرابية.
وأما عملة في المعاني فإنه لم يهتم بها إلا من خلال الإعراب، ولقد أبان ذلك في مقدمته حين أفاد بأنة تحامي تفسير شيء من معاني أبيات الحماسة إلا ما ينعقد بالإعراب، ولذا كان تعرضه لعنصر المعاني نادرا وفي مواضع قليلة من ((التنبيه)).
ولما كانت المعاني ليست من همة كانت البلاغة أيضا ليست من همة فهو حين ينظر إلي لون بلاغي ينظر إلية من جهة نحوية، وكذلك كان شأنه في نقد الأشعار لواردة في الحماسة، لا ينتقدها من حيث المعاني، جودتها ورداءتها، وإنما ينتقدها حين يري خروج تركيب ما عن قواعد الإعراب التي قننها النحاة.
إن أهم ما يخرج به الدارس لعناصر شرح أبن جني هو أن معالجته لها كانت مجال المشاكل التي تثيرها النصوص في اللغة وما يلحق بها من اشتقاق أو تصريف، ومجال المسائل الإعرابية وما ينص لبها من خلاف بين النحاة، ومجال المشكلات التي تتصل بالعروض والقوافي أو تتصل بشذوذ التراكيب في استخدام الشعراء.
ولقد رأيناه في هذه المجالات يتحرك بأسلوب يغلب علية الطريقة الجدلية المتأثرة أحيانا بطرق المتكلمين في التعبير وهو أسلوب قد يثير في نفوسنا شيئا من المتعة الذهنية، ولكنة خال من الإثارة الوجدانية التي نجدها في أسلوب الإبداعيين أمثال المرزوقي.
ثم كان أن وقفنا عند المنهج التتبعي التقويمي وطبقناه في عملين: أحدهما ((ضبط مواضع من الحماسة)) لأبي هلال العسكري، والآخر ((إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري)) لأبي محمد الأعرابي.
فأما عمل أبي هلال فقد لاحظنا انه قد تتبع نسخة للحماسة بخط أحد الشيوخ فقام بضبطها وتحريرها، وسجلنا أن عملة في تتبع هذه النسخة وتقويمها قد

الصفحة 403