كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

الشراح على مختلف المناهج التي سلوكها، ولقد عللنا شيوع هذه الظاهرة في أعمالهم بتأثرهم الواضح بشراح الشعر الجاهلي في القرن الرابع الهجري الذين أدركوا أن القصد من شرح الشعر هو التعليم والتثقيف إلي جانب الإمتاع، فوسعوا من نشاطهم في الشروح فحللوا ودققوا وأسهبوا واستطردوا في كل شيء يتصل بالنص من قريب أو بعيد فجاءت شروحهم زاخرة بالمواد العلمية التي هي حصيلة الجمع والجهد، ولم تكن هذه النظرة بغائبة عن شراح الحماسة، وبخاصة إذا علمنا أنهم لم يكونوا بمعزل عن حركة شرح الشعر عامة، ومن هنا جاء إليهم التوسع .. والاستطراد حتى شمل أصحاب المنهج التجميعي الانتخابي الذين يفترض في عملهم التهذيب والتشذيب، وأصحاب المنهج الاختصاري التسهيلي الذين يفترض فيهم أن يكونوا بعيدين عن هذه الظاهرة كل البعد.
أما ظاهرة طغيان اللغة والنحو في عملية الشرح فقد أوضحنا أننا لا نعني بها أصحاب المنهج العلمي التخصصي لأنهم قد بنوا منهجهم علي إثارة القضايا التي تتصل باللغة والنحو، ومن ثم فمن الطبيعي أن نجد اللغة والنحو يطغيان في أعمالهم، وكذلك لا نعني بها أصحاب المنهج التتبعي التقويمي لأن أعمالهم تقوم وفق ما يتتبعونه ويقومونه في أعمال الآخرين، نحوا كان أو لغة أو غيرهما. إننا نعني بها أصحاب المنهج الإبداعي الفني والمنهج التجميعي الانتخابي والمنهج الاختصاري، فهؤلاء تقوم مناهجهم علي مقومات وصفات لا تقتضي وجود هذه الظاهرة في أعمالهم، ولكنهم مع محاولاتهم الدائبة في توفير هذه الصفات والمقومات لأعمالهم لم يسلموا من شيوع هذه الظاهرة في شروحهم حيث رصدناها في بعض أعمال المرزوقي وفي انتخاب التبريزي وفي أعمال صاحب الشرح المنسوب خطأ لأبي العلاء، وأبي الحين البياري، وأبي القاسم زيد بن علي، ولقد عللنا لهذه الظاهرة وتسربها في أعمال هؤلاء الشراح بأنها مثل ظاهرة التوسع والاستطراد ترجع إلي التأثر بأعمال أبي بكر بن الأنباري وأبي جعفر النحاس، وهي في جملتها يمكن أن ترجعها بالنسبة لشراح الشعر القديم إلي أن كل العلماء الأوائل الذين عنوا بشرح الشعر ابتداء من أبي عمرو الشيباني المتوفى سنة 206 أو 210 هـ إلي أبي سعيد السكري المتوفى سنة

الصفحة 412