كتاب شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

قلنا: الجواب من وجوه:
أحدها: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُفَصِّل لها ذلك، بَيْن أن تكون حدثت لها هذه الإرادة، ولا بين أن تكون وُجِدَت قديمًا قبل العقد، فدلَّ على أن الحلَّ يعم الصورتين؛ لأن تركَ الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يُنَزَّل منزلةَ العمومِ في المقال.
الوجه الثاني: أنها كانت راغبة في الأول دون غيره؛ لأنه قد روي أنه طلَّقها عبد الرحمن، ثم جاءت فاسْتَفْتت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعد فراقه، فأجابها بأنها لا تحل حتى تذوق العُسَيلة.
وقال: "اللهم إن كان إنَّما بها أن يُحِلَّها لرفاعة فلا يتمُّ لها نِكاحُه"، وجاءت بعده إلى أبي بكر وعمر، فمنعاها (¬١).
فَلَمَّا استفتت بعد فراقه وقال: لا، ثم إنها غابت وجاءت فقالت: إنه قد مسَّني، فقال لها: لا تحل؛ لأنها قد كذبت أولًا، ثم أخبرت بخلافه، فلم يقبل رجوعها عن الأول ودعا عليها: إن كانت إنما أرادت أن تحلّها لرفاعة، فلا يتم لها ذلك عقوبةً على كذبها بنقيض قصدها؛ لئلا يتسرَّع الناسُ إلى (١٧٥/ أ) الكذب، فدلَّ على إرادتها لرفاعة دون غيره من الأزواج.
وهذا أمر لم يتجدد لها بأن عبد الرحمن لم يصل إليها، فعُلِم أنها كانت إرادةً متقدمة؛ لأن الأصل عدم ما يحدث.
الوجه الثالث: أنه قد رُوِي أنها استفتت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قبل الطلاق،
---------------
(¬١) هذا لفظ رواية عبد الرزاق: (٦/ ٣٤٧).

الصفحة 158