كتاب شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

وقوله: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨].
والحديث: "عُفِيَ لأُمتي عن الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهوا عليه" (¬١)، وقوله: "لا طلاق ولا عِتاق في إغلاق" (¬٢) أي: إكراه.
فالمكره قد أتى باللفظ المقتضي للحكم، ولم يثبت الحكم في حقه؛ لعدم قصده وإرادته بذلك [اللفظ]، فعُلِمَ أن نفس اللفظ ليس مقتضيًا للحكم اقتضاء الفعل أثره، فإنه لو قَتَل أو غَصَب أو أَتْلف أو بَخَس [البائع] (¬٣) مكرهًا، لم نَقُل: إن ذلك فاسد، بخلاف ما لو عَقَد.
فكذلك المحتال لم يقصد الحكمَ [المقصود] بذلك اللفظ الذي احتال به، وإنما قَصَد معنًى آخر؛ من التوسُّلِ إلى الربا أو
---------------
(¬١) هذا الحديث جاء معناه عن عددٍ من الصحابة؛ ابن عباس، وابن عمر، وعقبة بن عامر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وثوبان، وأبي بكرة. بألفاظٍ مختلفة، أقربها إلى لفظ المصنِّف: ما أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق": (٢/ ٢٩٣)، من طريق سعيد بن منصور ثنا خالد بن عبد الله عن هشام عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل عفا لكم عن ثلاث ... فذكره.
وأقوى هذه الأحاديث حديث ابن عباس بلفظ: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ... " أخرجه ابن حبان "الإحسان": (١٦/ ٢٠٢)، والدارقطني: (٤/ ١٧٠)، والبيهقي: (٧/ ٣٥٦) وغيرهم.
وانظر في الكلام على الحديث: "نصب الراية": (٢/ ٦٤)، و"المعتبر" رقم (١١٣)، و"موافقة الخُبر الخَبر": (١/ ٥١٠).
(¬٢) أخرجه أحمد: (٦/ ٢٧٦)، وأبو داود رقم (٢١٩٣)، وابن ماجه رقم (٢٠٤٦)، والحاكم: (٢/ ١٩٨)، والبيهقي: (٧/ ٣٥٧) وغيرهم، وصححه الحاكم.
(¬٣) في الأصل و (م): "الما"! والمثبت من "الإبطال".

الصفحة 60