كتاب شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

وأيضًا: فالمحلِّل يقصد أن ينكح ليُطلِّق، وكذا المخالع يقصد أن يُخالع ليُراجع، والعقدُ لا يُقْصَد به ضدُه ونقيضُه، فإن الطلاقَ لا يُقصد (¬١) بالنكاح، كما أن البيع لا يُعْقَد للفسخ، والهبة لا تُعقد للرجوع فيها قط، وليس له أن يحرم مفرِدًا أو قارنًا لقَصْد فسخ الحج والتمتُّع بالعمرة، فإن الفسخ إعدام العقد ورفعه، فإذا عقد العقد لأن يفسخه، كان المقصود هو عدمُ العقد، فلا يكون العقد مقصودًا أصلًا، فيكون عبثًا.
ولا يقال: مقصوده ما يحصل بعد الفسخ من الحل للمطلِّق؛ لأن الحل إنما يثبت إذا ثبت العقد ثم انفسخ، ومقصود العقد حصول موجِبِه، ومقصود الفسخ زوال موجبه، فإذا لم يقصد ذلك فلا عقد فلا فسخ، فلا يترتَّبْ عليه تابُعِه، وهذا بيِّن لمن تأمَّله، ولهذا سُمِّي هذا متلاعِبًا مستهزءًا، ولهذا يظهر الفرق بين هذا وبين المقاصد الفرعيَّة في النكاح، مثل من يقصد أن يتزوَّج امرأةً لمصاهرةِ أهلها أو لترَبِّي أولادَه، فإن هذا لا يُنافي النكاح، بل يستدعي بقاءَه ودوامَه، فإن الشيءَ يُفْعَل لأغلب فوائدِه، ولأنْدَرِ فوائده (¬٢) بحيث لا تكون تلك المقاصد مُنافية لحقيقته بل مُجامعة لها، أما أن يَفْعَل لرفع حقيقته، ويوجد لمجرَّد أن تعدم؛ فهذا باطل.
---------------
(¬١) في "الإبطال": "يعقد".
(¬٢) كذا في الأصل و (م) وبعض نسخ الإبطال، وفي الأخرى: "فوائده" و: "مفاسده".

الصفحة 90