كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

التوحيد: أن الربّ سبحانه مُطَالِب عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم، وتبيّن بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به، ومكّنهم من التوصل إلى امتثال الأمر، والانكفاف عن مواقع الزَّجْر، ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام، ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به.
ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستحثاث على المكرمات، والزواجر عن الفواحش الموبقات، وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات، ثم تلفّت على الوعد والوعيد، وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الإنباء عما يتوجه على المَردَة العُتاة من الحساب والعقاب، وسوء المنقلب والمآب، وقول الله لهم: لم تعدّيتم وعصيتم وأبيتم؟ وقد أرخيت لكم الطِّوَل، وفسحت لكم المُهَل، وأرسلت الرسل، وأوضحت المَحَجّة {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: ١٦٥]، وأحاط بذلك كله (¬١)، ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم= فهو مصابٌ في عقله، أو مُسْتقِرٌّ على تقليده، مصمّم على جهله، ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قَطْع طلبات الشرائع، والتكذيب بما جاء به المرسلون.
فإنْ زعم مَنْ لم يوفّق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدوره
---------------
(¬١) جملة: "وأحاط ... " معطوفة على "ومن نظر في كليات الشريعة"، وفي مطبوعة "النظامية": "فمن أحاط".

الصفحة 402