كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أصلًا، وإذا طولب بمتعلَّق طلب الله بفعل العبد (¬١) تحريمًا وفرضًا؛ ذهب في الجواب طولًا وعرضًا، وقال: لله أن يفعل ما يشاء، ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].
قيل له: ليس لما جئت به حاصل، كلمة حق أريد بها باطل، نعم، يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولكن يتقدّس عن الخُلْف ونقيض الصدق.
وقد فهمنا بضرورات العقول، من الشرع المنقول: أنه ــ عزَّت قدرته ــ طالب عباده بما أخبر أنهم مُمَكّنون من الوفاء به، فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسع في موارد الشرع، ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها، كما لا أثر للعلم في معلومه، فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألوانًا وإدراكات، وهذا خروج عن حدّ الاعتدال، إلى التزام الباطل والمحال، وفيه إبطال الشرائع، وردّ ما جاء به النبيون عليهم الصلاة والسلام.
فإذا لزم المصير بأن القدرة الحادثة تؤثِّر في مقدورها، واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله؛ فإنّ فيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة، واقتحام ورطات الضلال.
ولا سبيل إلى المصير إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة؛ فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين؛ إذ الواحد لا ينقسم، فإن وقع بقدرة الله استقل بها، ويسقط أثر القدرة الحادثة، ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى؛ فإن الفعل الواحد لا بعض له.
---------------
(¬١) "د": "لفعل العبد".

الصفحة 403