كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

من حيث إن سببه إذنه، ولولا إذنه لم ينفذ التصرف، ولكن العبد يؤمر بالتصرف ويُنهى ويوبَّخ على المخالفة ويعاقَب، فهذا والله الحق الذي لا غطاء دونه، ولا مراء فيه لمن وعاه حقّ وعيه.
وأما الفرقة الضالة فإنهم اعتقدوا انفراد العبد بالخلق، ثم صاروا إلى أنه إذا عصى فقد انفرد بخلق فعله، والربُّ كاره له، فكان العبد على هذا الرأي الفاسد مزاحمًا لربِّه في التدبير، موقِعًا ما أراد إيقاعه شاء الربُّ أو كره.
فإن قيل: على ماذا تحملون آيات الطبع والختم والإضلال في القرآن، وهي متضمنة اضطرارَ الربّ تعالى الأشقياءَ إلى ضلالتهم؟
قلنا: إذا أتاح الله حلّ هذا الإشكال، والجواب عن هذا السؤال، لم يبق على ذوي البصائر بعده غموض.
فنقول أولًا: مَنْ أنبأ الله سبحانه عن الطبع على قلوبهم كانوا مخاطبين بالإيمان، مطالبين بالإسلام، والتزام الأحكام؛ مطالبة تكليف ودعاء، مع وصفهم بالتمكّن والاقتدار والإيثار، كما سبق تقريره.
ومن اعتقد أنهم كانوا ممنوعين مأمورين، مصدودين قهرًا مدعوّين؛ فالتكليف عنده إذًا بمثابة ما لو شُدَّ من الرجل يداه ورجلاه رباطًا، وأُلقِي في البحر، ثم قيل له: لا تبتل!
وهذا أمر (¬١) لا يحمل شرائعَ الرسل عليه إلا عابثٌ بنفسه، مجترئ على ربِّه، ولا فرق عند هذا القائل بين أمر التسخير والتكوين في قوله: {كُونُوا
---------------
(¬١) موضعه في "النظامية": "منتهى".

الصفحة 406