كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأقرب أمر يعارضون به أن الحكيم منَّا إذا رأى جواريه وعبيده يمرجُ بعضهم في بعض، وهم على محارمهم بمرأى منه ومسمع، فلا يحسن تركهم على ما هم عليه، والربُّ تعالى يطلع على سوء أفعال العباد، ويستدرجهم من حيث لا يعلمون.
ثم قال: قد أطلت أنفاسي قليلًا، ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل لكان ــ وحق القائم على كل نفس بما كسبت ــ أحبّ إليّ من مُلك الدنيا بحذافيرها طول أمدها" (¬١) انتهى كلامه بلفظه.
وهذا توسط حسن بين الفريقين، وقد أنكره عليه عامة أصحابه، منهم الأنصاري شارح "الإرشاد" وغيره، وقالوا: هو قريب من مذهب المعتزلة، ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم فقط، وإن هذا مما انفرد به.
ولكن بقي عليه فيه أمور:
منها: أنه نفى كراهة الله لما قدره من المعاصي بناء على أصله أن كل مراد له فهو محبوب له، وأنه إذا كان قد قدّر الكفر والفسوق والعصيان فهو يريده ويحبّه ولا يكرهه، وإن كانت قدرة العبد واختياره مؤثّرة في إيجاد الفعل عنده بإقدار الرب تعالى.
وقد أصاب في هذا وأجاد، لكن القول بأن الله سبحانه يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يكرهه إذا كان واقعًا= قول في غاية البطلان، وهو مخالف لصريح العقل والنقل.
---------------
(¬١) "النظامية" (٤٦ - ٥٤).

الصفحة 410