كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ثم طالبهم بالعلم على صحة مذهبهم بأن الله أذن فيه، وأنه يحبه ويرضاه، ومجرد إقراره لهم قدرًا لا يدل على ذلك عند أحد من العقلاء، وإلا كان الظلم والفواحش والسعي في الأرض بالفساد والبغي محبوبًا له مرضيًا.
ثم أخبر سبحانه أن مستندهم في ذلك إنما هو الظن، وهو أكذب الحديث، وأنهم لذلك كانوا أهل الخرص والكذب.
ثم أخبر سبحانه أن له الحجة عليهم من جهتين:
إحداهما: ما ركّبه فيهم من العقول التي يفرقون بها بين الحسن والقبيح، والحق والباطل، والأسماع والأبصار التي هي آلة إدراك الحق، والتي يُفرَّق بها بينه وبين الباطل.
والثانية: إرسال رسله، وإنزال كتبه، وتمكينهم من الإيمان والإسلام.
ولم يؤاخذهم بأحد الأمرين، بل بمجموعهما؛ لكمال عدله، وقطعًا لعذرهم من جميع الوجوه، ولذلك سمّى حجته عليهم بالغة، أي: قد بلغت غاية البيان وأقصاه، بحيث لم يبقَ معها مقال لقائل، ولا عذر لمعتذر، ومن اعتذر إليه سبحانه بعذر صحيح قَبِلَه.
ثم ختم الآية بقوله: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩]، وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته، وهذا من تمام حجته البالغة؛ فإنه إذا امتنع الشيء لعدم مشيئته، ولزم وجوده عند مشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ كان هذا من أعظم أدلة التوحيد، ومن أبين أدلة بطلان ما أنتم عليه من الشرك

الصفحة 412