كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ما أراد" (¬١).
وفي الدعاء المعروف عن علي - رضي الله عنه -: "اللهم داحِيَ المَدْحُوّات، وبارئ المَسْموكات، جبّار القلوب على فطراتها شقيّها وسعيدها" (¬٢).
فالجبر بهذا الاعتبار معناه القهر والقدرة، وأنه سبحانه قادر على أن يفعل بعبده ما شاء، وإذا شاء منه شيئًا وقع ولا بدّ، وإن لم يشأه لم يكن، ليس كالعاجز الذي يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، والفرق بين هذا الجَبْر وجَبْر المخلوق لغيره من وجوه:
أحدها: أن المخلوق لا قدرة له على جَعْل الغير مريدًا للفعل، محبًّا له، والربّ تعالى قادر على جَعْل عبده كذلك.
الثاني: أن المخلوق قد يجبر غيرَه إجبارًا يكون به ظالمًا له، معتديًا عليه، والربّ تعالى أعدل من ذلك؛ فإنه لا يظلم أحدًا من خلقه، بل مشيئته نافذة فيهم بالعدل والإحسان، بل عدله فيهم من إحسانه إليهم، كما سنبينه إن شاء الله.
الثالث: أن المخلوق يكون في جبره لغيره سفيهًا أو عابثًا أو جاهلًا، والربّ تعالى إذا جَبَل عبدَه على أمر من الأمور كان له في ذلك من الحكمة والعدل والإحسان والرحمة ما هو محمود عليه بجميع وجوه الحمد.
الرابع: أن المخلوق يجبر غيرَه لحاجته إلى ما جبره عليه، ولانتفاعه
---------------
(¬١) تقدم توثيقه (١/ ٣٩٦).
(¬٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٠١٣٤)، وابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٢٣).

الصفحة 421