كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وكان [لا] (¬١) يقول: إن البارئ أحدث كسب الإنسان، قال: فلَزمَه مُحدَث لا لمُحدِث في الحقيقة، ومفعول لا لفاعل (¬٢) في الحقيقة" (¬٣).
قلت: وجه إلزامه ذلك أنه قد أعطى أن الإنسان غير فاعل لفعله، وفعله مُحدَث مفعول، وليس هو فعلًا لله، ولا فعلًا للعبد، فلزمه مفعول من غير فاعل.
ولعمر الله؛ إن هذا الإلزام لازم لأبي الحسن (¬٤) وللجبرية؛ فإن عندهم الإنسان ليس بفاعل حقيقة، والفاعل هو الله، وأفعال الإنسان قائمة به لم تقم بالله، فإذا لم يكن الإنسان فاعلها مع قيامها به، فكيف يكون الله سبحانه هو فاعلها؟! ولو كان هو فاعلها لعادت أحكامها عليه، واشتُقّت له منها أسماء، وذلك ممتنع مستحيل على الله، فيلزمك أن تكون أفعالًا لا فاعل لها؛ فإن العبد ليس بفاعل عندك، ولو كان الربّ فاعلًا لها لاشتُقّت له منها أسماء، وعاد حكمها عليه.
فإن قيل: فما تقولون أنتم في هذا المقام؟
قلنا: لا نقول بواحد من القولين، بل نقول: هي أفعال للعباد حقيقة ومفعولة للرب، فالفعل عندنا غير المفعول، وهو إجماع من أهل السنة، حكاه الحسين بن مسعود البغوي وغيره (¬٥)، فالعبد فَعَلها حقيقة، والله
---------------
(¬١) زيادة لازمة من مصدر النقل لإقامة السياق.
(¬٢) "م": "لا بمحدث .. لا بفاعل"، وما في النسخ الأخرى موافق للمصدر.
(¬٣) "مقالات الإسلاميين" (٥٣٩).
(¬٤) يعني الأشعري.
(¬٥) لم أهتد إلى موضعه في مؤلفات البغوي، وثمة نقل في "شرح السنة" (١/ ١٨٦) عن سلف الأمة قولهم في القرآن: إنه كلام الله لا خالق ولا مخلوق الخ، وقد نقل شيخ الإسلام في عدة مواضع من كتبه نحوه عن البغوي كما في "الرد على المنطقيين" (٢٣٠) و"درء التعارض" (٢/ ٢٦٤)، والله أعلم.

الصفحة 425