كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

استُعْمِلا مقيّدَين أُطْلِقا على العبد، كما يقال لمن قدّر شيئًا في نفسه: إنه خلقه.
قال:
ولأنت تَفْري ما خلقتَ وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يَفْري (¬١)
أي: لك قدرة تمضي وتنفذ بها ما قدّرته في نفسك، وغيرك يقدّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها.
وبهذا الاعتبار صحّ إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، أي: أحسن المصوّرين والمقدّرين.
والعرب تقول: قدّرت الأَدِيم وخلقته إذا قسته لتقطع منه مَزَادة أو قربة ونحوها.
قال مجاهد: "يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين" (¬٢).
وقال الليث: "رجلٌ خالق، أي: صانع، وهن الخالقات: للنساء" (¬٣).
وقال مقاتل: "يقول الله تعالى: هو أحسن خلقًا من الذين يخلقون التماثيل وغيرها، التي لا يتحرك منها شيء" (¬٤).
وأما البارئ فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها، والعبد لا تتعلق قدرته بذلك؛ إذ غاية مقدوره التصرف
---------------
(¬١) البيت لزهير، وقد سلفت نسبته في (١٨٢).
(¬٢) أسنده الطبري (١٧/ ٢٥).
(¬٣) انظر: "تهذيب اللغة" (٧/ ٢٥).
(¬٤) "تفسير مقاتل" (٣/ ١٥٣)، وانظر: "البسيط" (١٥/ ٥٤٢)، والمؤلف صادر عنه في هذه النقول.

الصفحة 428