كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأما العبد فيُطلَق عليه الإنشاء باعتبار آخر، وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له، تقول: أنشأ يحدّثنا، وأنشأ السير، فهو منشئ لذلك.
وهذا إنشاء مقيّد، وإنشاء الربّ إنشاء مطلق.
وهذه اللفظة تدور على معنى الابتداء، أنشأه الله، أي: ابتدأ خلقه، وأنشأ يفعل كذا: ابتدأ، وفلان يُنْشِئ الأحاديث، أي: يبتدئ وضعَها، والناشئ أول ما ينشأ من السحاب.
قال الجوهري: "وناشئة الليل أول ساعاته" (¬١).
قلت: هذا قد قاله غير واحد من السلف: إن ناشئة الليل أوله التي منها ينشأ الليل، والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى، بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة، كلما انقضت ساعة نشأ بعدها أخرى.
قال أبو عبيدة: "ناشئة الليل: ساعاته وآناؤه ناشئة بعد ناشئة" (¬٢).
قال الزَّجّاج: "ناشئة الليل: كلّ ما نشأ منه، أي: حدث منه، فهو ناشئة" (¬٣).
قال ابن قتيبة: "هي آناء الليل وساعاته، مأخوذة من نَشَأَتْ تنشأ نشْأً، أي: ابتدأت وأقبلت شيئًا بعد شيء، وأنشأها الله فنشأت" (¬٤).
---------------
(¬١) "الصحاح" (١/ ٧٨).
(¬٢) "مجاز القرآن" (٢/ ٢٧٣).
(¬٣) "معاني القرآن وإعرابه" (٥/ ٢٤٠).
(¬٤) "تأويل مشكل القرآن" (٣٦٥).

الصفحة 433