كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والثاني أكثر ما يتعدى إلى مفعولين، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، وأُطلق على العبد بالمعنى الثاني خاصّة، كقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا}، وغالب ما يُستعمل في حق العبد في جَعْل التسمية والاعتقاد، حيث لا يكون له صُنْع في المجعول، كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩]، وقوله: {(٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا} [يونس: ٥٩]، وهذا متعدٍّ إلى واحد، وهو جَعْل اعتقادٍ وتسمية.
وأما الفعل والعمل فإطلاقه على العبد كثير، {لَبِئْسَ مَا كَانُوا} [المائدة: ٧٩]، {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: ٦٢]، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: ١٠٥].
وأطلقه على نفسه فعلًا واسمًا، فالأول كقوله: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧]، والثاني كقوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧]، وقوله: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} في موضعين من كتابه: أحدهما قوله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ٧٩]، والثاني قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ١٠٤].
فتأمل قوله: {كُنَّا فَاعِلِينَ} في هذين الموضعين المتضمنين للصنع العجيب الخارج عن العادة: كيف تجده كالدليل على ما أخبر به، وأنه لا يستعصي على الفاعل حقيقة، أي: شأننا الفعل، كما لا يخفى الجهر والإسرار بالقول على من شأنه العلم والخبرة، ولا تصعب المغفرة على من

الصفحة 436