كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والعبد إرادته من ربّه، إذ هي مخلوقة له، فإنه هو الذي جعله مريدًا.
قيل: هذا موضع اضطرب فيه الناس، فسلكت فيه القدرية واديًا، وسلكت الجبرية واديًا.
فقالت القدرية: العبد هو الذي يُحدِث إرادته، وليست مخلوقة لله، والله مكّنه من إحداث إرادته بأن خلقه كذلك.
وقالت الجبرية: بل الله تعالى هو الذي يُحدِث إرادات العبد شيئًا بعد شيء، وإحداث الإرادات فيه كإحداث لونه وطوله وقصره وسواده وبياضه، مما لا صنع له فيه البتّة، فلو أراد أن لا يريد لمَا أمكنه ذلك، وكان كما لو أراد أن يكون طوله وقصره ولونه على غير ما هو عليه، فهو مضطر إلى الإرادة، وكل إرادة من إراداته فهي متوقفة على مشيئة الربّ تعالى لها بخصوصها، فهي مرادة له سبحانه، كما هي معلومة مقدورة، فلزمهم القول بالجبر من هذه الجهة، ومن جهة نفيهم (¬١) أن يكون لإرادة العبد وقدرته أثر في الفعل.
فإن قيل: فأي وادٍ تسلكونه غير هذين الواديين، وأي طريق تمرون فيها (¬٢) سوى هذين الطريقين؟
قيل: نعم، ههنا طريق ثالثة لم يسلكها الفريقان، ولم تهتدِ إليها الطائفتان، ولو حكّمتْ كل طائفة ما معها من الحق، والتزمت لوازمه وطردته؛ لساقها إلى هذه الطريق، ولأوقعها على المحجّة المستقيمة.
فنقول وبالله التوفيق، وهو المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة
---------------
(¬١) "د": "منعهم"، ويشبه أن تكون في "م": "قضيتهم"! والمثبت من "ج".
(¬٢) "م": "تسلكونها سوى هاتين".

الصفحة 448