كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

إلا بالله:
العبد بجملته مخلوق لله جسمه وروحه وصفاته وأفعاله وأحواله، فهو مخلوق من جميع الوجوه، وخُلِق على نشأة وصفة يتمكّن بها من إحداث إراداته وأفعاله، وتلك النشأة بمشيئة الله وقدرته وتكوينه، فهو الذي خلقه وكوّنه كذلك، وهو لم يجعل نفسه كذلك، بل خالقه وبارئه جعله مُحدِثًا لإراداته وأفعاله، وبذلك أمره ونهاه، وأقام عليه حجته، وعرَّضه للثواب والعقاب، فأمَرَه بما هو متمكّن من إحداثه، ونهاه عما هو متمكّن من تركه، ورتّب ثوابه وعقابه على هذه الأفعال والتروك التي مكّنه منها، وأقدره عليها، وناطها به، وفطر خلقه على مدحه وذمّه عليها، مؤمنهم وكافرهم، المقرّ بالشرائع منهم والجاحد بها، فكان مريدًا شائيًا بمشيئة الله له، ولولا مشيئة الله أن يكون شائيًا لكان أعجز وأضعف من أن يجعل نفسه شائيًا (¬١).
فالربُّ تعالى أعطاه مشيئة وقدرة وإرادة، وعَرَّفه ما ينفعه وما يضره، وأمره أن يجري مشيئته وإرادته وقدرته في الطريق التي يصل بها إلى غاية صلاحه، فأجراها في طريق هلاكه، بمنزلة من أعطى عبده فرسًا يركبها، وأوقفه على طريقي نجاة وهلكة، وقال: أَجْرِها في هذه الطريق. فعدل بها إلى الطريق الأخرى، وأجراها فيها، فغلبته بقوة رأسها، وشدة سيرها، وعزّ عليه ردّها عن جهة جريها، وحيل بينه وبين إدارتها إلى ورائها، مع اختيارها وإرادتها.
فلو قلت: كان ردّها عن طريقها ممكنًا له مقدورًا؛ أصبت.
---------------
(¬١) من قوله: "بمشيئة الله له" إلى هنا ساقط من "م".

الصفحة 449