كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وإن قلت: لم يبقَ في هذه الحال بيده من أمرها شيء، ولا هو متمكن منه؛ أصبت، بل قد حال بينه وبين ردها مَنْ يحول بين المرء وقلبه، ومن يقلب أفئدة المعاندين وأبصارهم.
وإذا أردت فهم هذا على الحقيقة فتأمل حال من عرضت له صورة بارعة الجمال، فدعاه حسنُها إلى محبتها، فنهاه عقله، وذكّره ما في ذلك من التلف والعطب، وأراه مصارع العشاق عن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه ومن خلفه، فعاد يعاود النظر مرة بعد مرة، ويحث نفسه على التعلق وقوة الإرادة، ويحرض على أسباب المحبة، ويدني الوقود من النار، حتى إذا اشتعلت، وشبّ ضرامها، ورمت بشررها، وقد أحاطت به= طلب الخلاص، قال له القلب: هيهات لات حين مناص، وأنشده:
تولَّعَ بالعشق حتى عشقْ ... فلما استقلّ به لم يطِقْ
رأى لجّةً، ظنَّها موجة ... فلما تمكّن منها غرِقْ (¬١)
فكان الترك أولًا مقدورًا له، لمّا لم يوجد السبب التام والإرادة الجازمة الموجِبة للفعل، فلمّا تمكّن الداعي، واستحكمت الإرادة، قال المحب لعاذله:
يا عاذلي والأمر في يده ... هلّا عذلتَ وفي يدي الأمر (¬٢)
فكان أول الأمر إرادة واختيارًا ومحبّة، ووسطه اضطرارًا، وآخره عقوبة
---------------
(¬١) سلف توثيق البيتين في (٢٩٥).
(¬٢) هو في "ديوان الصبابة" (٣٤) دون نسبة، واستشهد به المصنف في "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (٤٠)، وفي "روضة المحبين" (٢٢٣).

الصفحة 450