كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وبلاء.
ومُثِّلَ هذا برجل ركب فرسًا لا يملكه راكبه، ولا يتمكّن من رده، وأجراه في طريق ينتهي به إلى موضع هلاك، فكان الأمر إليه قبل ركوبها، فلما توسطت به الميدان خرج الأمر عن يده، فلما وصلت به إلى الغاية حصل على الهلاك.
ويشبه هذا حال السكران الذي قد زال عقله إذا جَنَى في حال سكره؛ لم يكن معذورًا؛ لتعاطيه السبب اختيارًا، فلم يكن معذورًا بما ترتب عليه اضطرارًا.
وهذا مأخذ من أوقع طلاقه من الأئمة، ولهذا قالوا: إذا زال عقله بسبب يعذر فيه لم يقع طلاقه، فجعلوا وقوع الطلاق عليه من تمام عقوبته.
والذين لم يوقعوا الطلاق قولهم أفقه، كما أفتى به عثمان بن عفان (¬١)، ولم يعلم له في الصحابة مخالف.
ورجع إليه الإمام أحمد، واستقر عليه قوله (¬٢).
فإن الطلاق ما كان عن وَطَر، والسكران لا وَطَر له في الطلاق.
وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم وقوع الطلاق في حال الغَلْق (¬٣)، والسُّكْر من
---------------
(¬١) أخرجه عبد الرزاق (١٢٣٠٨)، وابن أبي شيبة (١٨٢٧٥)، وقد ناقش ابن عبد البر في "الاستذكار" (١٨/ ١٦٣) دعوى عدم وجود مخالف من الصحابة لعثمان.
(¬٢) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق" (٩/ ٤٦٤٧)، "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (٢٦ - ٢٧)، "الإنصاف" (٨/ ٤٣٣).
(¬٣) الغَلْق اسم الإغلاق، وهو الإكراه، كأنه إذا ضُيّق على الزوج فاضطر إلى تطليق امرأته فقد أُغلق عليه باب المخرج، فوضع الإغلاق موضع الإكراه. يُنظر: "الصحاح" (٤/ ١٥٣٨)، "الزاهر" (١٤٩).
والحديث أخرجه أحمد (٢٦٣٦٠)، وأبو داود (٢١٩٣)، وابن ماجه (٢٠٤٦)، من طرق عن عائشة ترفعه: "لا طلاق، ولا عتاق في إغلاق"، وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح، ضعفه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (٨/ ١٠)، وانظر: "البدر المنير" (٨/ ٨٤ - ٨٦).

الصفحة 451