كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الداعي المقتضي.
قال القدري: ذلك الداعي وإن كان من فعل الله تعالى إلا أنه جار مجرى فعل المكلَّف؛ لأنه قادر على أن يبطل أثره بأن يستحضر صارفًا عن الشرب، مثل أن يحجم عن الشرب تجربة هل يقدر على مخالفة الداعي أم لا، فإحجامه لأجل التجربة أثرُ داعٍ ثان هو الصارف (¬١)؛ يعارض الداعي، فالحي قادر على تحصيله، وقادر على إبقاء الداعي الأول بحاله (¬٢)، فإبقاؤه الداعي الأول بحاله، وإعراضه عن إحضار المعارض له؛ أمر لولاه ما حصل الشرب، فمن هذا الوجه كان الشرب فعلًا له؛ لأنه قادر على تحصيل الأسباب المختلفة التي تصدر عنها الآثار.
ويصير هذا كمن شاهد إنسانًا في نار متأجّجة، وهو قادر على إطفائها عنه من غير مشقة ولا مانع، فإنه إن لم يطفئها استحق الذم، وإن كان الإحراق من أثر النار.
وقد أجاب ابن أبي الحديد بجواب آخر، فقال: ويمكن أن يقال: إذا تجرد الداعي كما ذكرتم في صورة العطشان، فإن التكليف بالفعل والترك يسقط؛ لأنه يصير أسوأ حالًا من المُلجَأ.
وهذا من أفسد الأجوبة على أصول جميع الفرق؛ فإن مقتضى التكليف قائم، فكيف يسقط مع حضور العقل (¬٣) والقدرة؟
---------------
(¬١) "م": "أثر داع بأن هذا الصارف".
(¬٢) "د": "مخالفة" دون إعجام.
(¬٣) "ج": "الفعل".

الصفحة 465