كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

قصاصًا إذا قَتَل عند الجمهور، والمُلجَأ لا يُقتَل باتفاق الناس.
ومما يوضح هذا أن المُكرَه على التكلم لا يتأتّى منه التكلم إلا باختياره وإرادته، ولهذا أوقع طلاقه وعتاقه بعض العلماء، والجمهور قالوا: لا يقع؛ لأن الله سبحانه جعل كلام المُكرَه على كلمة الكفر لغوًا لا يترتب عليه أثره؛ لأنه وإن قصد التكلم باللفظ دفعًا عن نفسه فلم يقصد معناه وموجَبه، حتى قال بعض الفقهاء لو قصد الطلاق بقلبه مع الإكراه لم يقع طلاقه؛ لأن قوله هدر ولغو عند الشارع، فوجوده كعدمه في حكمه، فبقي مجرد القصد، وهو غير موجِب للطلاق، وهذا ضعيف؛ فإن الشارع إنما ألغى قول المُكرَه إذا تجرّد عن القصد، وكان قلبه مطمئنًّا بضده، فأما إذا قارن اللفظَ القصدُ، واطمأنّ القلبُ بموجَبه؛ فإنه لا يُعذَر.
فإن قيل: فما تقولون فيمن ظن أن الإكراه لا يمنع وقوع الطلاق، فقَصَده جاهلًا بأن الإكراه مانع من وقوعه؟
قيل: هذا لا يقع طلاقه؛ لأن اللفظ موجِب لوقوعه؛ لأنه لما ظن أن الإكراه على الطلاق يوجب وقوعه إذا تكلم به؛ كان حكمُ قَصْده حكمَ لفظه، فإنه إنما قصده دفعًا عن نفسه لمّا علم أنه لا يتخلّص إلا به، ولم يظن أن الكلمة بدون القصد لغو، أو دهش عن ذلك، ولا وَطَر له في الطلاق، فهذا لا يقع، بخلاف الأول؛ فإنه لمّا أُكرِه على الطلاق نشأ له قَصْد طلاقها؛ إذ لا غرض له أن يقيم مع امرأة أُكرِه على طلاقها، وإن كان لو لم يُكرَه لم يبتدئ طلاقها.
والمقصود أن المُكرَه مريد لفعله غير مُلجَأ إليه.

الصفحة 479