كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقال تعالى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: ٧٤]، وقال: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٩٠]، وقال: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} [الزمر: ٧٠].
وهذا في القرآن أكثر من أن يُذْكر، والحسُّ شاهد به، فلا تُقبل شبهة تقام على خلافه، ويكون حكم تلك الشبهة حكم القدح في الضروريات، فلا يُلتفت إليه، ولا يجب على العالِم حلّ كلّ شبهة تعرض لكل أحد؛ فإن هذا لا آخر له.
فقولكم: "لو كان فاعلًا لفِعْله لكان مُحْدِثًا له"، إن أردتم بكونه مُحْدِثًا صدور الفعل منه، اتحد اللازم والملزوم، وصار حقيقة قولكم: لو كان فاعلًا لكان فاعلًا. وإن أردتم بكونه مُحْدِثًا كونه خالقًا سألناكم: ما تعنون بكونه خالقًا؟ هل تعنون به كونه فاعلًا، أو تعنون به أمرًا آخر، فإن أردتم الأول كان اللازم فيه عين الملزوم، وإن أردتم أمرًا آخر غير كونه فاعلًا فبيّنوه.
فإن قلتم: نعني به كونه موجِدًا للفعل من العدم إلى الوجود.
قيل: هذا معنى كونه فاعلًا، فما الدليل على إحالة هذا المعنى، فسمّوه ما شئتم: إحداثًا أو إيجادًا أو خلقًا، فليس الشأن في التسميات، وليس الممتنع إلا أن يكون مستقلًّا بالإيجاد، وهذا غير لازم لكونه فاعلًا؛ فإنا قد بيّنا أن غاية قدرة العبد وإرادته وداعيه وحركته أن تكون جزء سبب، وما يتوقف عليه الفعل من الأسباب التي لا تدخل تحت قدرته وكسبه أكثر من الجزء الذي إليه بأضعاف مضاعفة، والفعل لا يتم إلا بها.
فإن قيل: فهذا الجَبْر بعينه.

الصفحة 489