كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
عباده بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم.
فسُبُلُ الهدى عافيةٌ آثارها، مُنْحَطٌّ منارها، والضلالة قد تَضَرَّمَتْ نارُها، وتطاير في الآفاق شرارُها، وظهر في أقطار الأرض شعارها، وقد استحقَّ الناس أن يحلّ بساحتهم العذاب، وقد نظر الجبَّارُ إليهم فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.
فأطلع الله شمس الرسالة في حَنَادِس تلك الظُّلَم، وأنعم بها على أهل الأرض، وكانت تلك النعمة عليهم أجلَّ النعم. فبعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - للإيمان مناديًا، وإلى الجنة داعيًا، وبكل عُرْف آمِرًا، وعن كل نُكْرٍ ناهِيًا، فاستنقذ به الخليقةَ من تلك الظلمات، ونوَّرَ بصائرهم بالآيات البينات، وجلا عن قلوبهم صدأ تلك الشكوك والشبهات، وفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا، فبلَّغ رسالات ربّه، وأدّى أمانته، ونصح أمته، ولم يدع بابًا من الهدى إلا فتحه، ولا مُشْكِلًا من الدين إلا أوضحه، ولا خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرهم منه؛ لئلا يصلوا إليه.
فأغنى الله به عن تكلُّف المتنطّعين، وآراء المُتَهَوِّكين، ومعقولات المتفلسفين، وخيالات المتصوِّفين، وجدل المتكلمين، وأقيسة المتكلِّفين.
فاكتفى بما جاء به العارفون، واستوحش من كثير منه الجاهلون، وعَدَلوا عنه إلى ما يناسب أعينهم الرُّمْد، وبصائرهم العُمْي، وظنوا أنهم بذلك يهتدون، {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الزمر: ٤٩ - ٥٠]، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥١].
الصفحة 6
490