كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

المُتَهَوِّكين (¬١)، وتشكيكات المتكلمين، وتكلفات المُتنطّعين، واستمطر دِيَم الهداية من كلمات أعلم الخلق بربِّ العالمين، فإن كلماته الجوامع النوافع في هذا الباب وفي غيره كفَتْ وشفَتْ، وجمعتْ وفرَّقتْ، وأوضحتْ وبيَّنتْ، وحلَّتْ محل التفسير والبيان لما تضمنه القرآن.
ثم تلاه أصحابه من بعده على نهجه المستقيم، وطريقه القويم، فجاءت كلماتهم كافية شافية، مختصرة نافعة، لقرب العهد ومباشرة التلقي من تلك المشكاة، التي هي مظهر كل نور، ومنبع كل خير، وأساس كل هدى.
ثم سلك على آثارهم التابعون لهم بإحسان، فاقتفوا طريقهم، وركبوا منهاجهم، واهتدوا بهداهم، ودعوا إلى ما دعوا إليه، ومضوا على ما كانوا عليه.
ثم نبغ في عهدهم وأواخر عهد الصحابة مجوسُ هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر، وأنّ الأمر أُنُف، فمَن شاء هدى نفسه، ومَن شاء أضلها، ومَن شاء بخسها حظَّها (¬٢) وأهملها، ومَن شاء وفّقها للخير وكمّلها، كل ذلك مردود إلى مشيئة العبيد، ومُقْتَطَع من مشيئة العزيز الحميد، فأثبتوا في ملكه ما لا يشاء، وفي مشيئته ما لا يكون.
ثم جاء خَلْفُ هذا السلف، فقرروا ما أسَّسَه أولئك من نفي القدر وسمّوه عدلًا، وزادوا عليه نفي صفاته سبحانه وحقائق أسمائه وسمّوه توحيدًا.
---------------
(¬١) الحيرى المترددون، "القاموس" (هوك) (٩٥٨).
(¬٢) "م": "حقها"، والمثبت من "د" له نظائر من كلام المؤلف، وليس في "م": "وأهملها".

الصفحة 9