كتاب شمائل الحبيب المصطفى

بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا وَسَمَّى اللهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ (¬١) عَلَيْهِ وَدَرَّتْ، وَاجْتَرَّتْ (¬٢)، فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ (¬٣) الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا (¬٤) حَتَّى عَلَاهُ البَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوْا، وَشَرِبَ آخِرَهُمْ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ أَرَاضُوا (¬٥)، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثانيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلَأَ
الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ بَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.
فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ (¬٦) هُزَالًا، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَالشَّاءُ عَازِبٌ (¬٧) حَائِلٌ (¬٨) وَلَا حَلُوبَةَ فِي البَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ. قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ (¬٩) الوَجْهِ، حَسَنَ الخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ (¬١٠)، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ
---------------
(¬١) التَّفَاجُّ: المُبالَغة فِي تَفْرِيجِ مَا بَيْنَ الرِّجْلين.
(¬٢) فَاجْتَرَّتْ: مضغت ما تخرجه من بطنها.
(¬٣) يُرْبِضُ: يُروي من العَطَشِ.
(¬٤) ثَجًّا: كثيرًا مُنْصَبًّا.
(¬٥) أَرَاضُوا: ارتوَوا.
(¬٦) يَتَسَاوَكْنَ: يتمايلْنَ من شدةِ الهُزال.
(¬٧) عَازِبٌ: أي بعيدةٌ.
(¬٨) حَائِلٌ: لم تحمِلْ فتُرضعَ.
(¬٩) أَبْلَجُ الوَجْهِ: مُشْرِقُ الوجهِ.
(¬١٠) ثَجْلَةٌ: هي عِظَمُ البطن.

الصفحة 36