كتاب شرح المقدمة المحسبة (اسم الجزء: 2)

والذوق يقتضي مذوقًا واللمس يقتضي ملموسًا, والسمع يقتضي مسموعًا. فنصبت جميع ذلك فقلت: نظرت الشخص, وشممت الطيب, وذقت الطعام, ولمست الثوب, وسمعت الصوت وتفصيلات هذه العمومات تجري مجراها, فقس عليها نظائرها. وكذلك ما كان في معاني هذه الأفعال, وإن لم تكن بلفظها فإنها تجري في التعدي مجراها.
ومثال ما يتعدى إلى اثنين مختلفين: «أعطيت زيدًا درهمًا» , و «كسون عبد الله ثوبًا» , ونحوه مما ليس المفعول الأول هو الثاني, ولا الثاني هو الأول. والأول فاعل بالثاني في المعنى, لأنك أعطيت زيدًا الدرهم فأخذه منك. وكذلك كوته ثوبًا, لأنك الكاسي وهو المكسو. فكل ما كان من هذا النوع جاز أن تأتي بالمفعولين جميعًا, [تقول: أعطيت زيدًا درهمًا] , وهو غاية البيان في مثلهما, وأن لا تأتي بهما [جميعًا] , وهو غاية الإبهام في مثلهما, فتقول: أعطيت, وجاز أن تقتصر على أحدهما, وهو التوسط في البيان, مثل: أعطيت زيدًا, ولا تذكر ما أعطيته, وأعطيت درهمًا, ولا تذكر من أعطيته. وأكثر ما تترك هذه الأشياء اختصارًا, وإلا فالكلام موضوع للبيان, ومن هما يختلف المفسرون في تفسير الجملة الواحدة اختلافًا كثيرًا عند حذف مفعولاتها ومعمولاتها التي تقتضيها فيفسر كل منهم بما يوضحه له الدليل الشرعي أو العقلي.

الصفحة 303