كتاب شرح المعلقات التسع

وجاشت إليه النفس خوفا وخاله ... مصابا ولو أمسى على غير مرصد
جاشت: ارتفعت إليه من الخوف، ولم تستقر، كما يجيش القدر، إذا ارتفع عليانه، وقوله إليه: أي صاحبه، وقوله وخاله أي خال نفسه. وإنما جاز أن يقال خاله مصابا، ولم يجز ضربه إذا أردت ضرب نفسه على مذهب سيبويه. أنهم استغنوا عن ضرب نفسه، بقولهم ضرب نفسه، والذي يذهب إليه أبو العباس أنه لم يجز ضربه لئلا يكون فاعلا مفعولا في حال وجاز خاله لأن الفاعل في المعنى مفعول لأنه إنما رأى شيئا فأظنه. وقوله: على غير مرصد: أي ولو أمسى لا يرصد، ولا يخاف من أحد لظن أنه هالك من العطش لهول المفازة أي فأنا أنجو منها على ناقتي.

إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
يقول: إذا قالوا من فتى لهذه المفازة؟ خلت أنهم يعنونني، ويقولون ليس لها غيره، فلم أكسل عن أن أقول: أنا لها ولم أتبلد عن سلوكها. يقال رجل بليد، ومتبلد؛ إذا أثر فيه الجهل كي يذهب به عن فطن الناس واحتيالهم، وكذا يقال في الدواب، وأصل البلادة والتبلد من التأثير، يقال في جلده بلد إذا كان فيه أثر، وكذلك في غير الجلد، ويقال لكركرة البعير بلدة لأنها تؤثر في الأرض، أو تؤثر فيها الأرض قال الشاعر.

أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها

الصفحة 57