كتاب شرح نقائض جرير والفرزدق (اسم الجزء: 3)

قال: ومضينا فقدمت المدينة، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية عليها، فكان في
جنازة، فتبعته فوجدته قاعداً والميت يُدفن، حتى قمت بين يديه، فقلت: هذا مقام العائذ من رجل لم
يُصب دما ولا مالا. فقال: قد أجرت، إن لم تكن أصبت دما ولا مالا. من أنت؟ فقلت: أنا همّام بن
غالب بن صعصعة، وقد أثنيت على الأمير ن فإن رأى الأمير أن يأذن لي فأسمعه. قال: هاتِ.
فأنشدته:
وكومٍ تنعمُ الأضيافَ عيناً ... وتُصبحُ في مباركها ثقالا
حتى أتيت إلى آخرها. فقال مروان: قعوداً ينظرون إلى سعيد. فقلت: كلا إنك لقائم يا أبا عبد الملك
قال، فقال كعب بن جعيل: هذا والله الرؤيا التي رأيت البارحة.
قال سعيد: وما رأيت؟ قال: رأيت كأني أمشي في سكة من سكك المدينة، فإذا أنا بابن قترة في
جحر، فكأنه أراد أن يتناولني فاتقيته. قال: فقام الحطيئة فشق ما بين رجلين، حتى تجاوز إليّ، فقال:
قل ما شئت، فقد أدركت من مضى ولا يُدركك من بقي. وقال لسعيد: هذا والله الشعر لا ما نُعلل به
منذ اليوم قال: فلم يزل بالمدينة مرة، وبمكة مرة. وقال الفرزدق في ذلك:
ألا مَن مُبلغُ عني زياداً ... مُغلغلةً يخبُ بها بريدُ
بأني قد فررتُ إلى سعيدٍ ... ولا يُسطاعُ ما يحمي سعيدُ
فررتُ إليه من ليثِ هزبرٍ ... تفادى من فريستهِ الأسودُ

الصفحة 770