كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 2)

عَنْ أَبِي مُوسَى اسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وقيل الحرث وَاسْمُ أَبِي مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِتَخْفِيفِ الذَّالِ وَأَمَّا الثانى فبالمد أما معانى الحديث فالحديث الأول اختلف فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَآمَنَ بِهِ الْبَشَرُ وَأَمَّا مُعْجِزَتِي الْعَظِيمَةُ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِثْلَهُ فَلِهَذَا قَالَ أَنَا أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ بِسِحْرٍ وَشُبْهَةٍ بِخِلَافِ مُعْجِزَةِ غَيْرِي فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيِّلُ السَّاحِرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَارِبُ صُورَتَهَا كَمَا خَيَّلَتِ السَّحَرَةُ فِي صُورَةِ عَصَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ قَدْ يَرُوجُ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَالتَّخْيِيلِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ ونظر وقد يخطىء النَّاظِرُ فَيَعْتَقِدُهُمَا سَوَاءً وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا بِحَضْرَتِهِمْ وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ الْمُسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ خَرْقِ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَعَجْزِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بسورة من مثله مجتمعين أومتفرقين فى جميع الأعصار مع اعْتِنَائِهِمْ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَهُمْ أَفْصَحُ الْقُرُونِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْرُوفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا فِي زَمَنِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبِلَادَ وَبَارَكَ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ وَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ نَسْخُ المللم كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ من هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ القيامة فكلهم يجب عليهم الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثِ فَفِيهِ فَضِيلَةُ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

الصفحة 188