كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 2)

وَتُقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) أَمَّا قَوْلُهَا كَلَّا فَهِيَ هُنَا كَلِمَةُ نَفْيٍ وَإِبْعَادٍ وهذا أحد معانيها وقد تَأْتِي كَلَّا بِمَعْنَى حَقًّا وَبِمَعْنَى أَلَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ يُسْتَفْتَحُ بِهَا الْكَلَامُ وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ عَلَى أَقْسَامٍ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَقْسَامَهَا وَمَوَاضِعَهَا فِي بَابٍ مِنْ كِتَابِهِ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهَا لَا يُخْزِيكَ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ وَقَالَ معمر فى روايته يحزنك بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَضَمُّهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْخِزْيُ الْفَضِيحَةُ وَالْهَوَانُ وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ فَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْخِدْمَةِ وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْكَلُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَأَصْلُهُ الثِّقْلُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مولاه وَيَدْخُلُ فِي حَمْلِ الْكَلِّ الْإِنْفَاقُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْيَتِيمِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنَ الْكَلَالِ وَهُوَ الْإِعْيَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ كَسَبْتُ الرَّجُلَ مَالًا وَأَكْسَبْتُهُ مَالًا لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا بِاتِّفَاقِهِمْ كَسَبْتُهُ بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَأَمَّا مَعْنَى تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ فَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ تُكْسِبُ غَيْرَكَ الْمَالَ الْمَعْدُومَ أَيْ تُعْطِيهِ إِيَّاهُ تَبَرُّعًا فَحَذَفَ أحد المفعولين وقيل معناه تعطى الناس مالايجدونه عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ نَفَائِسِ الْفَوَائِدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَقِيلَ مَعْنَاهَا كَمَعْنَى الضَّمِّ وَقِيلَ مَعْنَاهَا تَكْسِبُ الْمَالَ الْمَعْدُومَ وَتُصِيبُ مِنْهُ مَا يَعْجِزُ غَيْرُكَ عَنْ تَحْصِيلِهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِكَسْبِ الْمَالِ الْمَعْدُومِ لَا سِيَّمَا قُرَيْشٌ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْظُوظًا فِي تِجَارَتِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ثَابِتٍ صَاحِبِ الدَّلَائِلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَأَيُّ مَعْنًى لِهَذَا الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ زِيَادَةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ تَكْسِبُ الْمَالَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْهُ غَيْرُكَ ثُمَّ تَجُودُ بِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْمَكَارِمِ كَمَا ذَكَرَتْ مِنْ حَمْلِ الْكَلِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَقِرَى الضَّيْفِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَهَذَا هُوَ

الصفحة 201