كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 2)

الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ حَبَّةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ حَيَّةُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَقِيلَ حَنَّةُ بِالنُّونِ وَهَذَا قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ وَرَوَى عَنِ بن شِهَابٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي حَبَّةَ فَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ مَالِكٌ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَهُوَ بَدْرِيٌّ بِاتِّفَاقِهِمْ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدَ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي ضَبْطِهِ وَالِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبَيَّنَهَا بَيَانًا شَافِيًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ) مَعْنَى ظَهَرْتُ عَلَوْتُ وَالْمُسْتَوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ به المصعد وقيل المكان المستوى وصريف الْأَقْلَامِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَصْوِيتُهَا حَالَ الْكِتَابَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ صَوْتُ مَا تَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَقْضِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ وَمَا يَنْسَخُونَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُرْفَعَ لِمَا أَرَادَهُ مِنْ أَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِصِحَّةِ كِتَابَةِ الْوَحْيِ وَالْمَقَادِيرِ فِي كَتْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَا شَاءَ بِالْأَقْلَامِ الَّتِي هُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآيَاتُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَنَّ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ظاهره لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه ممالا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا يَتَأَوَّلُ هَذَا وَيُحِيلُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا ضعيف النظر والايمان اذ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَدَلَائِلُ الْعُقُولِ لَا تُحِيلُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ ما يُرِيدُ حِكْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارًا لِمَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَسَائِرِ خَلْقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْكَتْبِ وَالِاسْتِذْكَارِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي عُلُوِّ مَنْزِلَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتِفَاعِهِ فَوْقَ مَنَازِلِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَبُلُوغِهِ حَيْثُ بَلَغَ من ملكوت السماوات دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَإِبَانَةِ فَضْلِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ خَبَرًا فِي الْإِسْرَاءِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَذَكَرَ مَسِيرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى أَتَى الْحِجَابَ وَذَكَرَ كَلِمَةً وَقَالَ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَ جِبْرِيلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ خُلِقْتُ وَإِنِّي أَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَارَقَنِي جِبْرِيلُ وَانْقَطَعَتْ عَنِّي الْأَصْوَاتُ

الصفحة 221