كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 2)

وَإِلَى هَذَا نَحَا الْقَاضِي الْبَاجِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ نَضَارَتِهِ وَحُسْنِهِ وَاسْتِعَارَةً لِجَمَالِهِ وَأَمَّا الْعَوَاتِقُ فَجَمْعُ عَاتِقٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَفِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَيُجْمَعُ الْعَاتِقُ عَلَى عَوَاتِقَ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى عُتُقٍ وَعُتْقٍ بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَضَمِّهَا وَأَمَّا طَوَافُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ فَعِيسَى حَيٌّ لَمْ يَمُتْ يَعْنِي فَلَا امْتِنَاعَ فِي طَوَافِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَنَامًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَتِهِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذُكِرَ مِنْ طَوَافِ الدَّجَّالِ بِالْبَيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ رُؤْيَا إِذْ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ طَوَافَ الدَّجَّالِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ تَحْرِيمَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ فِي زَمَنِ فِتْنَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَهُوَ صِفَةٌ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَةٌ لِلدَّجَّالِ فَأَمَّا عِيسَى فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ مَسِيحًا قَالَ الْوَاحِدِيُّ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَشِيحَا فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَغَيَّرَتْ لَفْظَهُ كَمَا قَالُوا مُوسَى وَأَصْلُهُ مُوشَى أَوْ مِيشَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَلَمَّا عَرَّبُوهُ غَيَّرُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا اشْتِقَاقَ لَهُ قَالَ وَذَهَبَ أكثر العلماء إلى أنه مُشْتَقٍّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَحُكِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ لم يمسح ذا عاهة الا بريء وقال ابراهيم وبن الْأَعْرَابِيِّ الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ مَمْسُوحُ أَسْفَلِ الْقَدَمَيْنِ لَا أَخْمَصَ لَهُ وَقِيلَ لِمَسْحِ زَكَرِيَّا إِيَّاهُ وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ أَيْ قَطْعِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ حِينَ وُلِدَ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَحَهُ أَيْ خَلَقَهُ خَلْقًا حَسَنًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَعْوَرُ وَالْأَعْوَرُ يُسَمَّى مَسِيحًا وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ حِينَ خُرُوجِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ فِي اسْمِ عِيسَى أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَاخْتُلِفَ فِي الدَّجَّالِ فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُهُ مِثْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ وَلَكِنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسِيحُ هُدًى وَالدَّجَّالُ مَسِيحُ ضَلَالَةٍ وَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِسِّيحٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالسِّينِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الدَّجَّالِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الصفحة 234