كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 4)

قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَأَثْنَى عَلَيَّ وَمَجَّدَنِي إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ وَالتَّمْجِيدُ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَيُقَالُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَرُبَّمَا قَالَ فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي وَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا لِقَوْلِهِ مَالِكِ يَوْمِ الدين أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمُلْكِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبِجَزَاءِ الْعِبَادِ وَحِسَابِهِمْ وَالدِّينُ الْحِسَابُ وَقِيلَ الْجَزَاءُ وَلَا دَعْوَى لِأَحَدٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا مَجَازَ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِبَعْضِ الْعِبَادِ مُلْكٌ مَجَازِيٌّ وَيَدَّعِي بَعْضُهُمْ دَعْوَى بَاطِلَةً وَهَذَا كُلُّهُ يَنْقَطِعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ هَذَا مَعْنَاهُ وَإِلَّا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَالِكُ وَالْمُلْكُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلدَّارَيْنِ وَمَا فِيهِمَا وَمَنْ فِيهِمَا وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ مَرْبُوبٌ لَهُ عَبْدٌ مُسَخَّرٌ ثُمَّ فِي هَذَا الِاعْتِرَافُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّمْجِيدِ وَتَفْوِيضِ الأمر ما لايخفى وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المستقيم إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَهَذَا لِعَبْدِي هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي غَيْرِهِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَا آيَتَانِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهَا آيَةٌ وَاهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ آيَتَانِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ يَقُولُ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولُوا قَوْلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَاتُ لَا الْآيَاتُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهَذَا لِعَبْدِي وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْجَمْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى صَرْفِهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الصفحة 104