كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 4)
عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصُّ بِهِ ذَاتُ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ جِمَاعُهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَنِ الْتَزَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَطَيُّبُ الْمَحَلِّ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُغْتَسِلَةٍ من الحيض اوالنفاس سَوَاءٌ ذَاتَ الزَّوْجِ وَغَيْرَهَا وَتَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَتَسْتَعْمِلُ أَيَّ طِيبٍ وَجَدَتْ فَإِنْ لِمْ تَجِدْ طِيبًا اسْتُحِبَّ لَهَا اسْتِعْمَالُ طِينٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُزِيلُ الْكَرَاهَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاءُ كَافٍ لَهَا لَكِنْ إِنْ تَرَكَتِ التَّطَيُّبَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ كُرِهَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِرْصَةُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ واسكان الراء وبالصاد المهمله وهي القطعة والمسك بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي رَوَاهُ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ أَهْلِ الْعُلُومِ وَقِيلَ مَسْكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةُ جِلْدٍ فِيهِ شَعْرٌ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ فَتْحَ الميم هي رواية الاكثرين وقال أبوعبيد وبن قُتَيْبَةَ إِنَّمَا هُوَ قُرْضَةٌ مِنْ مَسْكٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمَسْكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرْقَةٍ مُطَيَّبَةٍ بِالْمِسْكِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَطَّهَّرِي بِهَا وسبحان اللَّهِ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمْثَالِهِ يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَكَذَا لااله إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَى التَّعَجُّبِ هُنَا كَيْفَ يَخْفَى مثل هذا الظاهر الذي لايحتاج الْإِنْسَانُ فِي فَهْمِهِ إِلَى فِكْرٍ وَفِي هَذَا جَوَازُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَاسْتِعْظَامِهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ التَّثَبُّتِ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصفحة 14
238