كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 4)

قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَوَضَّأَتْ بَادَرَتْ إِلَى الصَّلَاةِ عَقِبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّتْ فِي وَسَطِهِ نُظِرَ إِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِلِاشْتِغَالِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَالسَّعْي فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إِلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور ولنا وجه أنه لايجوز وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا إِذَا أَخَّرَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَفِيهِ ثلاثة أوجه أصحها لايجوز وتبطل طهارتها والثاني يجوز ولاتبطل طَهَارَتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالثَّالِثُ لَهَا التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ فَإِذَا قُلْنَا بالاصح وانها إذا أخرت لاتستبيح الْفَرِيضَةَ فَبَادَرَتْ فَصَلَّتِ الْفَرِيضَةَ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ النَّوَافِلَ مَا دَامَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوَافِلَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفِيَّةُ نِيَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُضُوئِهَا أَنْ تَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا تَوَضَّأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ اسْتَبَاحَتِ الصَّلَاةَ وَهَلْ يُقَالُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا فِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا الْأَصَحُّ أنه لايرتفع شَيْءٌ مِنْ حَدَثِهَا بَلْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَنَا وَالثَّانِي يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَالْمُقَارِنُ لِلطَّهَارَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّالِثُ يَرْتَفِعُ الْمَاضِي وَحْدَهُ وَاعْلَمْ أنه لايجب عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغُسْلُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ علي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنِ بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هذا أيضا عن علي وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ دَائِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الاصل عدم الوجوب فلايجب إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ

الصفحة 19