كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 4)
وَطْأَهَا فَهُمَا كَالزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَسَبٍ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ أَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجَةِ ابْنِهِ فَهِيَ كَمَا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَهِيَ كَالْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُنَّ إِلَيْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبَاحُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَقِيلَ لا يحل الا مايظهر فِي حَالِ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَفِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَالثَّانِي هُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ وَنَظَرُهَا بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَقَالَ بَعْضُ اصحابنا لايحرم نَظَرُهَا إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِشَيْءٍ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ إِذَا كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ إِذَا كَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا سَوَاءٌ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَمْ خَافَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحُذَّاقُ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَهَى كَمَا تُشْتَهَى وَصُورَتُهُ فِي الْجَمَالِ كَصُورَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أحْسَنَ صُورَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ هُمْ فِي التَّحْرِيمِ أَوْلَى لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ طُرُقِ الشَّرِّ مالا يَتَمَكَّنُ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ هُوَ فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَاجَةٌ شرعية فيجوز النظر كما فِي حَالَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّطَبُّبِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ النَّظَرَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ غَيْرَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْإِنْسَانِ النَّظَرُ إِلَى أُمِّهِ وَبِنْتِهِ بِالشَّهْوَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولايفضي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لَمْسِ عَوْرَةِ غَيْرِهِ بِأَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ كَانَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَسَاهَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْحَمَّامِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِيهِ أَنْ يَصُونَ بَصَرَهُ وَيَدَهُ وَغَيْرَهَا عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ وَأَنْ يَصُونَ عَوْرَتَهُ عَنْ بَصَرِ غَيْرِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ مِنْ قَيِّمٍ وَغَيْرِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مَنْ يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ
الصفحة 31
238