كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 4)
الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ عُضْوًا مِنَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مُحْدِثًا وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالرَّابِعُ يَجِبُ الصَّلَاةُ وَلَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَيُعَضِّدهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَشْبَاهُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيجَابَ إِعَادَةِ مِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَمْرُ فَلَا يَجِبُ وَهَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا وَلِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى فتيمموا صعيدا طيبا اخْتُلِفَ فِي الصَّعِيدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ هُنَا التُّرَابُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ جَمِيعُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَقِيلَ الْحَلَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الصَّعِيدِ وَاجِبٌ قَالُوا فَلَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ تُرَابًا فمسح به وجهه لم يجزئه بل لابد مِنْ نَقْلِهِ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا
الصفحة 60
238