كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 5)

إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَوْكِيدِ الْأَمْرِ أَوْ زِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ نَفْيِ تَوَهُّمِ نِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ السَّائِغَةِ وَقَدْ كثرت في الْأَحَادِيثُ وَهَكَذَا الْقَسَمُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تعالى والذاريات والطور والمرسلات والسماء والطارق والشمس وضحاها والليل اذا يغشى وَالضُّحَى وَالتِّينِ وَالْعَادِيَاتِ وَالْعَصْرِ وَنَظَائِرِهَا كُلُّ ذَلِكَ لِتَفْخِيمِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَوْكِيدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَفِي ضَبْطِهِمْ وَتَقْيِيدِهِمْ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَلَمْ يُجِيزُوا غَيْرَ هَذَا وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَارِعِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَهُوَ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنِ اللَّيْثِ مَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِأَصْحَابِهِ جَمَاعَةً حِينَ نَامُوا عَنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَذَكَرَهَا فِي وَقْتِ أُخْرَى يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ صَلَّى الْحَاضِرَةَ ثُمَّ الْفَائِتَةَ جَازَ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَوْ قَدَّمَ الْحَاضِرَةَ لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُتَّسِعٌ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا لَبَدَأَ بِالْمَغْرِبِ لِئَلَّا يَفُوتَ وَقْتُهَا أَيْضًا وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لهذا

الصفحة 132