كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 7)
فِيهِ فَضِيلَةُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُ طَاعَةِ السِّرِّ لِكَمَالِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا
(باب بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ)
[1032] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ فَقَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الشُّحُّ أَعَمُّ مِنَ الْبُخْلِ وَكَأَنَّ الشُّحَّ جِنْسٌ وَالْبُخْلَ نَوْعٌ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ عَامٌّ كَالْوَصْفِ اللَّازِمِ وَمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الطَّبْعِ قَالَ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّحَّ غَالِبٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَإِذَا شَحَّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّتِهِ وَأَعْظَمَ لِأَجْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَآيَسَ مِنَ الْحَيَاةِ وَرَأَى مَصِيرَ الْمَالِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ حِينَئِذٍ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالشُّحُّ رَجَاءُ الْبَقَاءِ وَخَوْفُ الْفَقْرِ وَتَأْمُلُ الْغِنَى بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ تَطْمَعُ بِهِ وَمَعْنَى بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ بَلَغَتِ الرُّوحُ وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ إِذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْوَارِثُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِهِ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِهِ
الصفحة 123