كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 9)
حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ
الصفحة 125
240