كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 9)
(لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حين غزاه أهل الشام تركه بن الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ) أَمَّا الحرف الأول فهو يجرثهم بالجيم والراء بعدها هَمْزَةٌ مِنَ الْجَرَاءَةِ أَيْ يُشَجِّعَهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ بِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعَالِهِمْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ يُجَرِّبَهُمْ بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ يَخْتَبِرَهُمْ وَيَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَمِيَّةٍ وَغَضَبٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِبَيْتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ يَحْرِبَهُمْ فَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَوَّلُهُ مَفْتُوحٌ وَمَعْنَاهُ يَغِيظَهُمْ بِمَا يَرَوْنَهُ قَدْ فُعِلَ بِالْبَيْتِ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرِبْتَ الْأَسَدَ إِذَا أَغْضَبْتَهُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحَرْبِ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَيْهَا وَيُؤَكِّدُ عَزَائِمَهُمْ لِذَلِكَ قَالَ وَرَوَاهُ آخَرُونَ يَحْزُبَهُمْ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ يَشُدَّ قُوَّتَهُمْ وَيُمِيلَهُمْ إِلَيْهِ وَيَجْعَلَهُمْ حِزْبًا لَهُ وَنَاصِرِينَ لَهُ على مخالفيه وَحِزْبُ الرَّجُلِ مَنْ مَالَ إِلَيْهِ وَتَحَازَبَ الْقَوْمُ تَمَالُوا قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ قَوْلُهُ (قال بن عباس فإني قد فرق لي فيه رَأْيٌ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ كُشِفَ وَبُيِّنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ أَيْ فَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي ضبطه هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمَعْنَاهَا وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَدْ جَعَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الصَّحِيحَيْنِ فَرَقَ بِفَتْحِ الْفَاءِ بِمَعْنَى خَافَ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوا الْحُمَيْدِيَّ فِي ضبطه وتفسيره قوله (فقال بن الزُّبَيْرِ لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ
الصفحة 92
240