كتاب شرح النووي على مسلم (اسم الجزء: 12)

بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا اشْتَرَكَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي جِرَاحَتِهِ لَكِنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ثَخِنَهُ أَوَّلًا فَاسْتَحَقَّ السَّلَبَ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا كما قَتَلَهُ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ مُشَارَكَةً فِي قَتْلِهِ وَإِلَّا فَالْقَتْلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ وَهُوَ الْإِثْخَانُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُتَمَنِّعًا إِنَّمَا وُجِدَ مِنْ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فَلِهَذَا قَضَى لَهُ بِالسَّلَبِ قَالُوا وَإِنَّمَا أَخَذَ السَّيْفَيْنِ لِيَسْتَدِلَّ بِهِمَا عَلَى حَقِيقَةِ كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِمَا فَعَلِمَ أَنَّ بن الْجَمُوحِ أَثْخَنَهُ ثُمَّ شَارَكَهُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ السَّلَبَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي السَّلَبِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي السَّلَبِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ وَقَدْ سَبَقَ الرَّدُّ عَلَى مذهبهم هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بن عَفْرَاءَ فَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ الَّذِي ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ رواية بن مَسْعُودٍ وَأَنَّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ضَرَبَاهُ حَتَّى بَرَدَ وَذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا أن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَكَانَ وَجَدَهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَلَهُ مَعَهُ خَبَرٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السِّيَرِ قُلْتُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ وَكَانَ الْإِثْخَانُ مِنْ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَجَاءَ بن مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ رَمَقٌ فَحَزَّ رَقَبَتَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ 1 الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرَاتِ 2 وَالِاشْتِيَاقُ إِلَى الْفَضَائِلِ 3 وَفِيهِ الْغَضَبُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّهُ 4 ينبغي أن لا يُحْتَقَرَ أَحَدٌ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ مَنْ يُسْتَصْغَرُ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرٍ أَكْبَرَ مِمَّا فِي النُّفُوسِ وأحق ذلك الْأَمْرِ كَمَا جَرَى لِهَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ وَاحْتَجَّتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَاتِلِ السَّلَبَ

الصفحة 63